هروب الأدمغة.. منع تعليم الفتيات يفاقم أزمات أفغانستان

للعام الثاني على التوالي، تُحرم الفتيات من المدارس المتوسطة والثانوية والجامعات في أفغانستان (الجزيرة)

كابل- في أروقة كلية الاقتصاد بجامعة كابل، كانت الفتاة الأفغانية مرسل باتوري تنتظر تخرجها عام 2021، لكن التحولات السياسية الأخيرة وسيطرة حركة طالبان على الحكم حالت بينها وبين حلمها.

"غادرت وطني لسبب واحد فقط، وهو أن أواصل مشواري التعليمي، وصلت إلى تركيا وتمكنت من التسجيل في الجامعة، ولقد جربنا حركة طالبان في حكومتها الأولى، ولم يكن باستطاعتي العيش هناك واستكمال دراستي، وأنا قلقة على مصير شقيقاتي، وننتظر منذ عامين قرار طالبان بشأن تعليم المرأة في أفغانستان"، هكذا لخصت باتوري قصتها للجزيرة نت.

ترى باتوري أنها محظوظة لتمكنها من مواصلة الدراسة في تركيا، لكنها تواجه مشاكل من نوع آخر، فتقول "بدأت دراستي في كلية التجارة بجامعة أفيون التركية، وهنا بدأت كل شيء من الصفر، لأن الدراسة باللغة التركية ويجب إتقانها أولا ثم بدء بالدراسة الأساسية، إضافة إلى مشاكل اللجوء وضريبة الغربة عن أهلك ووطنك".

وللعام الثاني على التوالي، تُحرم الفتيات من المدارس المتوسطة والثانوية والجامعات رغم مناشدة المجتمع الدولي والعالم الإسلامي، ويقول مصدر بوزارة التربية والتعليم للجزيرة نت "قرار حركة طالبان إغلاق المدارس المتوسطة والثانوية أدى إلى حرمان 3 ملايين فتاة من الدراسة وإغلاق 3 آلاف مدرسة للبنات في عموم أفغانستان".

من جهتها، تقول طالبان إن المنع مؤقت لحين تنقية المناهج وتطبيق الفصل بين الجنسين. وظهر تياران داخل الحركة بشأن تعليم المرأة وعملها: التيار الأول يؤيد دراستها وعملها في الدوائر الحكومية وغير الحكومية، وطالب زعيم الحركة بفتح مدارس البنات أولا ثم بدء عملية الإصلاح وسد الثغرات الموجودة في النظام التعليمي. في حين يرى التيار الآخر ضرورة إصلاح النظام التعليمي أولا، ثم السماح بدراسة البنات في المدارس الحكومية.

مرسل باتوري غادرت أفغانستان متوجهة إلى تركيا لمواصلة مشوارها التعليمي (الجزيرة)

هروب الأدمغة

وأدى قرار حركة طالبان إلى تصاعد ظاهرة هروب الأدمغة والكوادر التعليمية من أفغانستان، ويقول مصدر في جامعة كابل للجزيرة نت إن "جامعة كابل كان فيها 867 أستاذا، وبعد وصول طالبان إلى السلطة غادر نصفهم أفغانستان، وبقي 407، من بينهم 110 أستاذات منعن من التدريس، وسيكون من الصعب أن يواصل 300 أستاذ التدريس في جامعة تستوعب أكثر من 26 ألف طالب في وقت واحد، وهناك أقسام أغلقت بسبب عدم وجود أساتذة، مثل قسمي اللغة الألمانية والفرنسية".

ويوجد في أفغانستان 140 جامعة خاصة و39 حكومية، وباتت هذه المؤسسات التعليمية مهددة بالإغلاق بسبب القرار، وحسب مصدر حكومي -تحدث للجزيرة نت- فإن أكثر من 1200 من أساتذة الجامعات معظمهم من جامعة كابل وننغرهار وهرات وقندهار ومزار شريف، غادروا أفغانستان بسبب موقف طالبان من تعليم المرأة وإغلاق الجامعات أمامها.

وتستوعب الجامعات الخاصة نحو 200 ألف طالب، منهم 70 ألفا من الفتيات، إضافة إلى 6 آلاف فرصة عمل، وفي هذا الصدد، يقول مدير العلاقات في اتحاد الجامعات الأفغانية كريم ناصري للجزيرة نت "للأسف خسر 6 آلاف موظف في هذه المؤسسات التعليمية عملهم. ومن إجمالي 140 جامعة خاصة، تواجه 40 منها مشاكل اقتصادية كبيرة إن لم يتم التعامل معها ستغلق تماما".

في هذا السياق، يقول رئيس جامعة السلام الأفغانية مصباح الله عبد الباقي للجزيرة نت إنه "منذ تأسيس الجامعة في الحكومة السابقة قمنا بفصل الجنسين في الجامعة، وكانت البنات يشكلن 65% من مجموع الطلاب، لكن القرار الأخير أثر على ميزانية الجامعة، وبالكاد نستطيع أن نوفر رواتب الأساتذة والموظفين، لأننا خسرنا أكثر من نصف طلابنا".

قرار منع الفتيات من التعليم أدى إلى تصاعد ظاهرة هروب الأدمغة والكوادر التعليمية من أفغانستان (الجزيرة)

الاستثمار والبحث العلمي

بدوره، يقول نائب اتحاد الجامعات الخاصة عبد الله عبد البر للجزيرة نت إن "حجم الاستثمار في القطاع التعليمي الخاص وصل إلى 500 مليون دولار، وخسرت الجامعات الخاصة نحو 60% من طلابها، وهذا يمنع استمرار هذه الجامعات، خاصة أن 40% منها مهددة بالإغلاق".

في سياق متصل، يقول أكاديميون وباحثون إن الجامعات الأفغانية فقدت وظيفتها البحثية، وإن الأساتذة لم يعد لهم دور في تحديد محتوى المناهج الدراسية، لأن وزارة التعليم العالي في الحكومة الجديدة هي التي تحدد المنهج الدراسي.

وأوضح مصدر في جامعة كابل للجزيرة نت أنه "بغض النظر عن موقف طالبان من تعليم المرأة، فإن وضع الجامعات الأفغانية تراجع كثيرا؛ الأساتذة والطلاب فقدوا الرغبة في الدراسة لأنهم ينظرون إلى المنظومة الجديدة على أنها ضدهم، غيروا المنهج الدراسي على حساب المواد الأساسية، الأمر مقلق والوزارة ليس لديها أي برنامج لتقوية الجامعات الأفغانية".

المصدر : الجزيرة