“هذا أبسط رد نقدمه لبلدنا”. ليس من طبع العراقي الصمت إزاء أي اعتداء على أراضيه، حتى وإن كانت حكومته ضعيفة، فهو يأبى الاستسلام لمن يخترق سيادته ويقتل أبناء جلدته.

“تركيا وإيران ميحترمون البشر ولا الحجر. بس احنا ما نبقى ساكتين”، يقول أحمد عليوي، مواطن بغدادي لـ “الحل نت”، أثناء لقائنا معه في أحد أسواق الكرادة وسط العاصمة العراقية بغداد.

أسبوع كامل مر وحل الأسبوع الثاني والعراق يتعرض بشكل يومي إلى قصف تركي وإيراني في شماله، وعلى وجه التحديد في إقليم كردستان العراق.

الحكومة العراقية، لا تتخذ أي إجراءات رادعة للخرق المتكرر لسيادة البلاد من قبل طهران وأنقرة، وأقوى ما لديها هو الاستنكار واستدعاء السفراء وتسليمهم مذكرات احتجاج فقط، لا أكثر.

“حكومتنا ما بيها خير، قابل احنا هم نسكت؟”، يتساءل عليوي، ويردف: “لا. الشعب ما يخاف، نگدر نعاقبهم ونستغني عن بضاعتهم، وبهالحالة راح يختنگون”.

“غالي بس يهون”

منذ 3 أيام، أطلق عراقيون حملة على منصات “التواصل الاجتماعي” لمقاطعة البضائع التركية والإيرانية التي تستوردها بغداد من الدولتين الجارتين له، والذهاب نحو المنتج الوطني المحلي.

عليوي، أحد من استجابوا للحملة، وها هو يقاطع المنتجات المستوردة لليوم الثاني على التتابع، رغم الصعوبة البالغة في تحديد المغشوش من المنتج المحلي الأصلي.

“كل مسواگي عراقي، خضراوات وفواكه وكلشي. صحيح غالي المحلي بس يهون لأجل عين البلد”، يقول عليوي، الذي يطالب الحكومة بمحاسبة من يقومون بالتلاعب بأصالة المنتوج الوطني العراقي.

القصف الإيراني والتركي، يتم بالصواريخ وبالطائرات المفخخة وبالمدفعيات، ويتسبب بوقوع مئات الضحايا من المدنيين العراقيين بين قتلى وجرحى، ناهيك عن هجرة جماعية من المناطق الحدودية مع أنقرة وطهران.

الأسبوع الماضي، أسفر قصف إيراني لسيدكان في السليمانية وكويسنجق في أربيل، عن مقتل 13 شخصا وإصابة 58 مدنيا، بينهم أطفال ونساء، ولم تحرّك الحكومة ساكنا، واكتفت بالشجب والاستنكار.

تهريب غير شرعي

اليوم، قصفت تركيا شمال العراق، تحديدا محافظة دهوك، وتسبب القصف بمقتل وإصابة 10 من كرد العراق، في سيناريو يتكرر بشكل يومي، دون حلول لإنهاء تلك الاعتداءات المستمرة.

عمر يوسف، مواطن من كركوك شمالي العراقي يقول: “المشكلة المنتج المحلي مغشوش. صح جاي نقاطع البضائع التركية والإيرانية بس صعب نعرف العراقي من غير العراقي، لكن مو مستحيل”.

مصادر “الحل نت” الخاصة، أفادت بأن الميليشيات المسلحة إضافة للعديد من التجار، يقومون بتهريب المنتجات التي استغنى العراق عنها من تركيا وإيران، ويتم جلبها للداخل العراقي دون حسيب أو رقيب.

قبل عام ونصف، قررت بغداد عدم استيراد مقطّعات الدجاج والبيض والألبان والطماطم وبعض الفواكه، ومنها البرتقال والليمون من أنقرة وإيران، نتيجة الاكتفاء الذاتي، بحسبها.

اللافت أن المنافذ الحدودية الرسمية التزمت بالقرار، لكن هناك نحو 10 منافذ برية تربط العراق مع تركيا وإيران، غير رسمية تسيطر عليها ميليشيات ومافيات تجارية تتبع لأحزاب سياسية، تقوم بتهريب البضائع التركية والإيرانية، للداخل العراقي بشكل غير شرعي.

“نعرفها مغشوشة”

صاحب مصنع في ديالى، طلب عدم الكشف عن هويته، يقول إن البعض من التجار ومعهم مسلحين مجهولين يقتحمون مصنعه، ويجبرون موظفيه على جعل البضائع المهربة عراقية، عبر وضع يافطات وعلب تحمل عبارة “صنع في العراق”.

“مجبورين نسوي هالشي. إذا نرفض طلقة بالراس تنهي حياتنا. ثلث أرباع المنتوجات اللي مكتوب عليها صنع في العراق، هي تركية وإيرانية، والعراقية يتلفوها”، كما يبيّن صاحب المصنع لـ “الحل نت”.

حجج تركيا وأنقرة بقصف الداخل العراقي، هي لمحاربة الأحزاب الكردية الإيرانية المعارضة لطهران، ولإنهاء وجود “حزب العمال الكردستاني” التركي في جبال العراق، غير أن تلك ذرائع يتم استخدامها للتغلغل بالداخل العراقي، بحسب مراقبين.

“إحنا نعرف بيها مغشوشة من خلال الشكل والطعم”، يقول عمر يوسف، ويضيف لـ “الحل نت”: “بس ما نستسلم لجشع الميليشيات والتجار. نبقى نفتر من دكان لدكان ومن محل لمحل لحد ما نلگي المنتج الأصلي المحلي المو مغشوش ونشتريه”.

لا يدري العراقيون إلى متى سيستمرون بمقاطعة المنتجات التركية والإيرانية، وكم سيقاومون لمعرفة المنتح الوطني من المغشوش تحت يافطة “صُنع في العراق”، لكن كل تمنياتهم، أن تأتيهم ذات يوم حكومة قوية تردع من يتجاوز على سيادة العراق، وتتعاون معهم ضد كل من يريد النيل من البلاد والعباد.

هل أعجبك المحتوى وتريد المزيد منه يصل إلى صندوق بريدك الإلكتروني بشكلٍ دوري؟
انضم إلى قائمة من يقدّرون محتوى الحل نت واشترك بنشرتنا البريدية.

الأكثر قراءة