البصرة، أو ما تُعرف بشريان العراق، المحافظة الواقعة في أقصى جنوبي البلاد، تحظى بأهمية خاصة من الناحية السياسية والاقتصادية لما تتمتع به من موقع جغرافي محاذي لإيران والكويت، ومنفتحا على الخليج العربي، فضلا عنما تمتلكه من ثروة نفطية هائلة من حيث الاحتياطي والإنتاج، وهو ما جعل منها نقطة صراع في العراق ما بعد الإطاحة بنظام صدام حسين.

إذ تتصارع الأحزاب السياسية الشيعية طيلة الـ 19 عاما، على محاولات فرض نفوذها على المحافظة التي تطفو على بحر من النفط، أخرها ما شهدته يومي الاثنين والثلاثاء الماضيين، من احتكاكات وصلت حد الهجمات الصاروخية، مصادر عدة أكدت لموقع “الحل نت“، إنها تحدث ما بين عناصر “التيار الصدري” بزعامة رجل الدين مقتدى الصدر، وأفراد ميليشيات حركة “عصائب أهل الحق” بقيادة قيس الخزعلي.

الأحداث التي شهدتها المحافظة ليلة الأربعاء الماضي، جاءت على خلفية توترات مماثلة شهدتها المدينة في وقت سابق من شهر أيلول/سبتمبر المنصرم، واستهدف خلالها مجموعة من الصواريخ للقصور الرئاسية التي تتخذ منها فصائل مسلحة تابعة لـ “الحشد الشعبي” مقرات لها، ما خلق حالة من التوتر والحذر، وسط مخاوف من اتساع دائرة العنف.

موجة العنف التي تشهدها المدينة، هي جزء من صراع سياسي يشهده العراق منذ عام من الآن، ما بين “التيار الصدري”، الذي فاز أولا في الانتخابات الي أجريت في تشرين الأول/أكتوبر الماضي، وتحالف “الإطار التنسيقي”، الذي يضم قوى شيعية مقربة من إيران وتملك أجنحة مسلحة منخرطة في “الحشد الشعبي“، الذي حل أخيرا في نتائج الانتخابات.

حيث ازدادت الأوضاع توترا، ما بعد إعلان الصدر اعتزال السياسية نهائيا في نهاية شهر آب/أغسطس الماضي، ما دفع بأنصاره الذي كانوا يعتصمون حينها داخل المنطقة الخضراء – معقل الحكومة والمقار الدبلوماسية، لاقتحام القصر الحكومي – الجمهوري، ليتحول المشهد حينها لصدامات مسلحة على إثر محاولات القوات المكلفة بحماية الخضراء والتي ضمنها فصائل من “الحشد الشعبي” إخراجهم من القصر بقوة السلاح ليسفر ذلك عن قتلى وجرحى، وينسحب على مستوى محافظات الجنوب، وأبرزها البصرة.

اقرأ/ي أيضا: لماذا تتكرر الأخطاء الطبية في العراق؟

لماذا تتصارع الأحزاب على البصرة تحديدا؟

غير أن الصراع الدائر في محافظة البصرة، فتح مجددا باب السؤال القائم طيلة السنوات الماضية، حول سبب الاقتتال المستمر حول المحافظة ذات الوضع المعيشي والاقتصادي المتردي على الرغم مما تمتلكه، ويقول في هذا الشأن المهتم في الشأن السياسي العراقي علي الملا، في حديث لموقع “الحل نت“، إن “ما يجري في البصرة هو صراع سياسي تسعى من خلاله جميع الأطراف للسطوة على مقدّرات المحافظة“.

ويضيف، أن “السيطرة على مقدّرات البصرة تعني السيطرة على مقدرات العراق بشكل كلي، بالتالي أن الأحزاب السياسية لاسيما منها التي تملك أذرعا مسلحة طالما تهتم في فرض نفوذها عليها لتمويل مشاريعها السياسية، وأنشطتها المسلحة واستدامة وجودها“.

الملا، أشار إلى أن “البصرة وبما تمتلكه من موقع جغرافي متميز يضعها تحت تحديات وأجندات إقليمية ومحلية، ولما تمثله من شريان اقتصادي كبير، دائما ما نجد هناك صراعا مستمرا فيها، وتنخرط في ذلك الصراع فواعل اجتماعية وسياسية، ومسلحة جميعها تندرج تحت محاولات فرض الهيمنة لغرض ضمان مصدر تمويل“.

كما أن “إيران تحاول بكل ما تملكه من قوى موالية لها داخل العراق في أن تبقى البصرة ضمن دائرة نفوذها، بالمقابل نجد أن هناك قوى مستعدة في كل وقت لجر المحافظة إلى صراع دموي كلما كانت هناك محاولات سواء حكومية أو اجتماعية، لإبعاد المحافظة من سطوة السلاح“، لافتا إلى أن “احتواءها على المعابر الحدودية زاد من حدة الصراع“، وفقا للملا.

وبيّن أن “المنافذ الحدودية توفر مردودات مالية هائلة، إضافة إلى ما تُسمح به من عمليات التهريب التي تعتمد عليها الفصائل المسلحة كمصدر تمويل أساسي“، منوّها إلى أن “فرض النفوذ في البصرة من جهة على حساب أخرى يعني أنه ضمان وجود سياسي لما توفره من تمويل للاستدامة العمليات الانتخابية وما صاحبها من مشاريع أخرى“.

اقرأ/ي أيضا: الصدر يُجمّد “السرايا”.. هل ينجح الكاظمي بكبح جماح الميليشيات العراقية؟

صراع سياسي بطرق مسلحة

الملا، لفت أيضا، إلى أنه بالنظر “لتلك الأسباب يحاول التيار الصدري، الذي يواجه رفضا كبيرا من قبل القوى الموالية لإيران لمشروعه السياسي ومحاولات إقصائه من المشهد السياسي، تحول للضغط على خصومه في مركز النفط بجنوب العراق، لتجريدهم من مواردهم الاقتصادية، وهو ما تسبب بالمواجهات المسلحة خلال الأيام الماضية“.

في سياق ذلك وعلى خلفية الأحداث في البصرة، كانت لجنة الأمن والدفاع البرلمانية، قد استضافت، يوم أمس الأربعاء وزير الداخلية عثمان الغانمي، لمناقشة التطورات الأمنية بمحافظتي ذي قار والبصرة، وقالت اللجنة في بيانها، إنه “تفعيلا للدور الرقابي والتشريعي بدأت لجنة الأمن والدفاع بأول استضافة لها في الفصل التشريعي الثاني، وقد استضافت وزير الداخلية والوكلاء والكادر المتقدم فيها، وقد تمت مناقشة الوضع الأمني في العراق بشكل عام، والوضع الأمني في محافظتي ذي قار والبصرة، بشكل خاص“.

النائب في البرلمان السابق، فادي الشمري، علّق على أحداث البصرة في تغريدة على “تويتر“، قائلا “البصرة تشتعل ويراد لها أن تشتعل أكثر.. وسط غياب حكومي اتحادي ومحلي وأمني“، مؤكدا “أهداف عدة وراء حرق البصرة، أهمها ضرب المنشآت النفطية لعرقلة التصدير وبالتالي إيقاف الإيرادات الحكومية وشل الدولة وتوقف الرواتب، وأيضا إجهاض بطولة كأس الخليج وعائداتها الاقتصادية على المدينة“، وهو ما فسره مراقبون أنها محاولات لتأزيم الوضع أكثر مما هو عليه بهدف الضغط على الحكومة و“التيار الصدري”، لنزول عند رغبات “الإطار التنسيقي”، في تشكيل حكومة جديدة ضمن أجنداته.

أثناء ذلك، لم تصدر الحكومة المحلية أو الجهات الأمنية أي توضيح أو موقف رسمي إزاء تلك الأحداث، إلا أن مسؤولا محليا أكد أن “الوضع مرتبك للغاية في المدينة، وأن الأهالي يضطرون إلى عدم الخروج ليلا خوفا من أعمال عنف“، مبيّناً أن “أعمال العنف تتصاعد بعد منتصف الليل على الرغم من الانتشار الأمني المكثف، والحواجز الأمنية في التقاطعات والطرق والساحات“، حسبما نقله موقع “العربي الجديد“.

سيناريو البصرة يأتي بعد أن اشتدّت وتيرة الأزمة السياسية العراقية، في 30 تموز/ يوليو الماضي، عندما اقتحم جمهور “التيار الصدري“، المنطقة الخضراء حينها، وأقاموا اعتصاما مفتوحا من داخلها وأمام مبنى البرلمان العراقي، بعد 72 ساعة من الاقتحام الأول لهم للخضراء، الذي لم يتجاوز 5 ساعات قبل أن ينسحبوا بتوجيه من زعيم “التيار“، مقتدى الصدر وقتئذ.

سياق الأزمة التي أشعلت البصرة

العاصمة العراقية بغداد، شهدت في 29 آب/ أغسطس الماضي، تصعيدا صدريا على إثر إعلان زعيم “التيار الصدري” مقتدى الصدر، اعتزاله الحياة السياسية نهائيا، من خلال اقتحام أنصاره لكل بقعة في المنطقة الخضراء، وأهمها القصر الجمهوري، قبل أن يتطور المشهد لصراع مسلح.

الصراع سببه مهاجمة القوات الأمنية المكلفة بحماية الخضراء والتي من ضمنها فصائل موالية لـ“لإطار“، ومنضوية تحت راية “الحشد الشعبي“، لأنصار الصدر لتفريقهم وإخراجهم من الخضراء، فتدخل فصيل “سرايا السلام” الجناح المسلح التابع للصدر للدفاع عن أنصاره من المتظاهرين، لتندلع مواجهة مسلحة داخل الخضراء منذ ليل 29 آب/ أغسطس، وحتى ظهر 30 آب/ أغسطس، عندما دعا الصدر في مؤتمر صحفي، أتباعه للانسحاب وإنهاء اعتصاماتهم.

جراء العنف المسلح، سقط 40 قتيلا و700 جريح، وانتهت اعتصامات الجمهور الصدري بعد شهر من خروجها أمام البرلمان للمطالبة بحله وإجراء انتخابات مبكرة جديدة.

الأزمة السياسية العراقية، تأتي نتيجة لصراع سياسي دام لأكثر من 10 أشهر منذ انتهاء الانتخابات المبكرة الأخيرة، وفوز الصدر فيها وخسارة “الإطار” الموالي لإيران، الذي وقف بوجه مشروع “التيار الصدري“، عندما سعى إلى تشكيل حكومة “أغلبية“.

بعد الانتخابات المبكرة، ذهب “التيار الصدري” بقيادة الصدر، إلى تشكيل تحالف ثلاثي مع الحزب “الديمقراطي الكردستاني” وتحالف “السيادة” الجامع لأغلب القوى السنية، وسمي بتحالف “إنقاذ وطن“.

اقرأ/ي أيضا:الفساد في مناقصات المقاولات الحكومية بالعراق.. الأسباب والنتائج

فشل مشروع الصدر

“إنقاذ وطن“، أصر بـ 180 مقعدا نيابيا على الذهاب نحو تشكيل حكومة “أغلبية” تستثني مشاركة كل “الإطار التنسيقي” أو بعض أطرافه، في وقت استمر الأخير بالدعوة إلى حكومة “توافقية” يشترك فيها الجميع، وذلك ما لم يقتنع به الصدر، ولم ينجح في ذات الوقت بتمرير مشروعه.

الفشل في تمرير مشروع حكومة الأغلبية، جاء بسبب عدم تمكن التحالف الثلاثي من حشد النصب القانوني لجلسة انتخاب رئيس الجمهورية في 3 مناسبات، والذي تكمن أهمية انتخابه في تكليف مرشح الكتلة الأكبر بتشكيل الحكومة، ودونه لا يمكن المضي بحكومة جديدة.

سبب الفشل كان إلزام “المحكمة الاتحادية العليا” -التي لجأ إليها “الإطار” صاحب 83 مقعدا نيابيا بالتصدي لمشروع الأغلبية- البرلمان العراقي بعقد جلسة انتخاب رئيس الجمهورية بحضور ثلثي أعضاء المجلس، أي 220 نائبا من أصل 329، وفقا للدستور.

بعد ذلك، شهد العراق انسدادا سياسيا أضطر الصدر للانسحاب من العملية السياسية، وتوجيه أعضاء كتلته بالاستقالة من البرلمان في 12 حزيران/ يونيو الماضي، لتستبشر قوى “الإطار“، بعدها بسهولة تشكيل الحكومة، وهذا ما لم يحدث إلى الآن.

اقرأ/ي أيضا: فشل النظام السياسي في العراق.. الملف نحو التدويل؟

هل أعجبك المحتوى وتريد المزيد منه يصل إلى صندوق بريدك الإلكتروني بشكلٍ دوري؟
انضم إلى قائمة من يقدّرون محتوى الحل نت واشترك بنشرتنا البريدية.