في ظل التحديات التي تعاني منها الدنمارك، جراء الغزو الروسي للأراضي الأوكرانية، بكونها جزء من القارة الأوروبية، تشهد البلاد توترات سياسية وداخلية، نتيجة دعوة رئيسة الحكومة إلى انتخابات برلمانية مبكرة.

انتخابات مبكرة

رئيسة الحكومة الدنماركية ميتا فريدركسن، أعلنت مساء الأربعاء الفائت، عن إجراء انتخابات مبكّرة مطلع شهر تشرين الثاني/نوفمبر المقبل، بدلا من الموعد المفترض في يونيو/حزيران خلال العام القادم.

تعرضت دعوة فريدركسن، إلى انتقادات واسعة من قِبل الشارع الدنماركي، إذ يعتقد أصحاب هذه الانتقادات أن البلاد بحاجة إلى تظافر الجهود، لمواجهة التحديات الخارجية، الناتج عن مواجهة روسيا، بدل توتير الأجواء والبحث عن تغييرات على مستوى تشكيل الحكومة القادمة بعد الانتخابات.

كما تعاني البلاد، كبقية دول أوروبا، من تداعيات الحرب الروسية على أوكرانيا، وبشكل خاص على مستوى الطاقة وارتفاع نسبة التضخم وغلاء المعيشة. هذا إلى جانب القضايا التي تعتبرها الحكومة أكثر أولوية فيما يخص الأمن والدفاع ومستقبل البلاد، في ظل تصاعد التوترات مع روسيا.

وبحسب تقرير لـ“العربي الجديد” فإن:” منتقدو إجراء الانتخابات المبكّرة، يتسلحون بدخول الدنمارك على الخط المباشر للمواجهة الغربية الروسية، والتي كانت مسرحاً لها منطقة بحر البلطيق بعد تفجيرات استهدفت خطّي أنابيب الغاز الروسي (نورد ستريم 1 و2)، ما استدعى استنفارا وتحشيدا عسكريا غربيا ملحوظا في منطقتي البلطيق وبحر الشمال“.

سحب الثقة

فريدركسن، وجدت نفسها مجبورة على إعلان الانتخابات المبكرة، وذلك بعد تهديد حزبها “راديكال فينسترا” (يسار وسط)، الذي خيّرها بين إعلان انتخابات مبكّرة أو حجب الثقة عنها.

وخلال حديثها عن تبكير الانتخابات، اعتبرت فريدركسن، أن بلدها “يواجه تحديات رئيسة تتعلق بمستقبل دولة الرفاهية والرعاية وتأمين سياسة أمنية ودفاعية لمصلحة شعب البلد، بالإضافة إلى سياسات مناخية مختلفة“.

قد يهمك: انهيار الاسترليني كارثة عالمية.. حقبة اقتصادية جديدة؟

كذلك حضر ملف الهجرة والمواطنين الأجانب، في خطابات رئيسة الحكومة الحالية، حيث اعتاد السياسيون على إقحام ملف الهجرة في الحملات والوعود الانتخابية، لاسيما الحديث عن تشديد العقوبات بحق الأجانب، وترحيل من يخالف قانون البلاد منهم، إضافة إلى الوعود باستكمال الاتفاق مع رواندا، لجعلها المكان الذي يُنقل إليه طالبو اللجوء من خارج أوروبا.

أزمة سياسية

ويتخوف كثير من الدنماركيين، من أن تدخل البلاد في أزمة سياسية، جراء الانتخابات المبكّرة، التي قد تنتج حكومة جديدة، والمزيد من التوتر السياسي، وذلك في ظل  المخاوف المتعلقة بتعاظم الأزمات والتحديات التي حولت علاقة أوروبا بروسيا إلى صداع يكتوي بنيرانه مواطنو القارة، في ظل خشية الطبقات السياسية الحاكمة من تداعيات تلك الأزمات والتحديات.

وبحسب مراقبين للمشهد السياسي في الدنمارك فإن الأحداث الأخيرة، مرتبطة بفضيحة إقدام البلاد على إعدام ملايين من حيوانات المنك عام 2020، على خلفية تداعيات انتشار فيروس “كورونا“.

البرلمان الدنماركي عيّن في حزيران/يونيو الماضي، لجنة انتقدت بحدة، حكومة فريدر يكسون، بسبب قرارها إعدام ملايين من حيوانات المنك السليمة، في ذروة مواجهة جائحة “كورونا” لحماية البشر من طفرة محتملة للفيروس، في إجراء تبيّن لاحقاً أنه يفتقد إلى الإطار القانوني.

الحكومة الدنماركية أمرت عبر وزارة الفلاحة، بإعدام نحو 17 مليون رأس من حيوان المنك، مريضة وسليمة، خوفا من مساهمة هذه الحيوانات في انتشار “كورونا“، في وقت تُعد الدنمارك أحد أكبر مربيي هذا النوع من الحيوان، الذي يتم الاستفادة من فروه، وتحوي الدنمارك نحو ألفي مزرعة بإنتاج يُقدر بـ15 مليون فرو في السنة.

بررت الحكومة قرارها حينها، أنه في ذلك الوقت رُصد تفشي فيروس كورونا المتحور بين حيوانات المنك، وإثر ذاك حذَّرت مباحث أمن الدولة الدنماركية من أن “تنتقل العدوى إلى البرية”، وتتحول الدنمارك إلى “ووهان جديدة“. الأمر الذي أثار رعبا واسعا في أوساط المسؤولين الدنماركيين، فأطلقت الحكومة عملية الإبادة، في 4 تشرين الثاني/نوفمبر 2020، بحسب ما جاء في تقرير لموقع “تي آر تي بالعربي“.

عملية الإبادة هذه التي تبيّن فيما بعد أنها افتقدت إلى السند القانوني، ما وضع رئيسة الوزراء في وضع حرج أمام المعارضة التي ناهضت الإجراء. يضاف إلى ذلك سخط المزارعين، الذين ضرب نشاطهم في مقتل، ودفع عدد منهم إلى الإفلاس.

حاولت الحكومة تدارك تداعيات الأزمة والفضيحة، فأوضحت رئيسة الوزراء ميتا فريدركسن، أنها لم تكن تعلم بـ“عدم قانونية قرار الإبادة حتى بعد أيام من بدئها“. بالمقابل، اتهمتها لجنة تحقيق برلمانية، شُكلت خصيصاً للقضية، بتضليل الرأي العام عبر معلومات مغلوطة حول ضرورة شمول الإبادة الحيوانات السليمة، كذلك كلفت الميزانية العامة مليارات الدولارات.

وجاءت خسائر ميزانية الحكومة، بصورة تعويضات، اضطرت الحكومة الدنماركية إلى منحها للمزارعين عن إبادة منتجهم من المنك، فاقت في مجملها مليارين ونصف دولار أمريكي.

شملت تبعات هذه الأزمة، استقالة وزير الفلاحة موجينز جنسن، وقال في بيان استقالته إن: “الوزارة أخطأت عندما أمرت بإبادة كل حيوانات المنك، بما فيها السليمة“، مقدما اعتذاره للمزارعين المتضررين من ذلك القرار.

تداعيات أزمة إعدام حيوان المنك، لم تقف عند هذا الحد، بل وصلت إلى تقديم حزب “راديكال فينسترا”، إنذارا لفريدركسن، للدعوة إلى انتخابات مبكرة، باشرت بعدها مراكز الدراسات واستطلاع الآراء سبر توجهات الشارع للاختيار بين معسكري “الكتلة الزرقاء” (يمين ويمين الوسط)، و“الكتلة الحمراء” (يسار ويسار الوسط).

وتظهر أغلب الاستطلاعات بحسب ما نقلت تقارير صحفية، أن حزب “الشعب الدنماركي“، المصنف كيمين متطرف وشعبوي، بات على حافة الانهيار بعدما بينت أن نحو 2 في المائة سيوصوتون له، ما يمثل فقط نسبة عتبة الحسم لدخول الأحزاب إلى البرلمان. وإذا صمدت النتائج، فإن “الشعب الدنماركي” يسير نحو أفول نجمه الذي سطع منتصف التسعينيات فارضا نفسه على أحزاب عريقة عمر بعضها 150 سنة.

هذا التراجع للحزب الشعبوي، قابله تقدم لحزب وزيرة الهجرة السابقة المتشددة إنغا ستويبرغ، “ديمقراطيو الدنمارك“، حيث حقق الأخير نتيجة جيدة في انتخابات الشهر الماضي، دون أن يعني ذلك اكتساح النسبة المئوية نفسها عند الحزب السويدي (نحو 23 في المائة)، حيث تمنحها الاستطلاعات نحو 10 في المائة.

ويعني ذلك فتح الباب أمام حكومة مشتركة بين يسار ويمين الوسط، دون الاعتماد على الأجنحة، وخصوصا تبريرها الدعوة بحاجة بلدها إلى حكومة أزمات تتجاوب مع التحديات المستقبلية.

وستجلب الانتخابات المبكّرة إلى البرلمان الجديد 179 نائبا. وأظهرت استطلاعات الرأي أن تكتلها (من يسار الوسط)، الذي يقوده حزبها الديمقراطي الاجتماعي، يتنافس مع المعارضة من يمين الوسط والتي تشمل أحزابا تريد تقليص الهجرة.

في المقابل، قد يستغل رئيس حكومة يمين الوسط السابق لارس لوكا راسموسن، تراجع أسهم رئيسة الحكومة الحالية لرفع رصيده، وذلك بالتحول إلى ما يسمى “صانع الملوك“، بعدما منحت الاستطلاعات حزبه دخول البرلمان بنسبة تراوح بين 4 و5 في المائة، ما يعني أنه قادر على التحكم بتسمية الشخصية التي ستترأس حكومة ما بعد الانتخابات.

وبالتالي فإن فريدركسن، التي تقود حكومة أقلية منذ حزيران/يونيو 2019، وجدت نفسها محاطة بمنافسين آخرين على المنصب، أبرزهم زعيم “المحافظين” سورن بابي بولسن، وزعيم “فينسترا” الليبرالي ياكوب إلمان ينسن.

يقول تقرير “العربي الجديد” إن: “ترشيح الحزبين في معسكر يمين الوسط لشخصيتين لمنصب رئاسة الحكومة أمر غير مسبوق، حيث اقتضت العادة الاتفاق الانتخابي على الحزب الذي سيقود تشكيل حكومة المعسكر، وهو ما قد يضع المحافظين والليبراليين في موقف صعب للاتفاق على رئيس حكومة يمثل معسكرهم، دون أن يخفف ذلك من توقع وصول معسكري السياسة في يسار ويمين الوسط، إلى عنق الزجاجة بسبب النتيجة المتقاربة بينهما، وهو ما يمكن أن يفتح المجال أمام أزمة قد تمتد لأسابيع قبل تشكيل الحكومة القادمة“.

بالتأكيد فإن التوتر السياسي التي تشهده البلاد، والممتد لأشهر قادمة، سيؤثر على اهتمام الدنمارك في مشاركتها في دعم أوكرانيا لمواجهة الغزو الروسي، وتداعيات الأزمة التي شملت جميع الدول الأوروبية، وذلك رغم إعلان فريدركسن، قبل يومين، أن دعم بلادها والغرب لأوكرانيا لن يتراجع رغم الأثمان والأزمات التي تعيشها أوروبا.

اقرأ أيضا: ما موقف أميركا من السعودية بعد قرار “أوبك بلس”؟

هل أعجبك المحتوى وتريد المزيد منه يصل إلى صندوق بريدك الإلكتروني بشكلٍ دوري؟
انضم إلى قائمة من يقدّرون محتوى الحل نت واشترك بنشرتنا البريدية.